علي الشيخ داغر/
أيامٌ قليلة تفصلنا عن بداية عام دراسي جديد، يطمح الطلاب فيه لتعلم ماهو جديد، علّه يفيدهم في حياتهم وأعمالهم المستقبلية. هناك من يقول إن التعليم في العراق مازال يجترح الدرس الكلاسيكي، ولا يواكب التطورات والطفرات التي حققها التعليم في دول المشرق والمغرب، من مناهج جديدة، وأساليب حديثة، ومعايشات تحقق للطالب اكتساب المعرفة، ليس من الكتاب فحسب، بل من الحياة أيضاً.
هنا في هذا الاستطلاع توجهنا ببعض الأسئلة لعدد من المختصين بالشأن التربوي، لمعرفة ما الذي يحتاجه الطالب في سنته الدراسية الجديدة؟ وأهمية درسي التربية الفنية والموسيقى والجانب الثقافي في مناهجنا التعليمية، ومواكبة مناهجنا كم التطور الهائل في مجال العوالم الرقمية وتقنيات الحاسوب.
اكتظاظ الصفوف
عن سؤال مفاده، ما الذي يجب التركيز عليه من حصص دراسية؟ تحدث الدكتور كاظم عبد الزهرة، مدير المركز العراقي لثقافة الطفل في مؤسسة (مدارك)، قائلاً: “الحصص الدراسية -للأسف- فقدت الكثير من فاعليتها وأثرها على المتعلم بسبب اكتظاظ الصف الواحد بالطلبة، وانخفاض عدد الحصص الأسبوعية بسبب الدوامين الثنائي والثلاثي في المدرسة الواحدة.” موضحاً أن “(التربية والتعليم) في العراق فقدت ركناً من أركانها المهمة، حينما سمحت الوزارة، لكي تتخلص من مشكلة الاكتظاظ، بـ (الانتساب)، الذي يتيح للطالب البقاء في البيت، والمشاركة في الامتحانات فقط، وهو ما حرم التلميذ والطالب بحسب (عبد الزهرة) من ممارسة الأنشطة المختلفة التي تمنحه نمواً سليماً في بيئة تعليمية ناجحة، يحتك فيها بزملائه ومعلميه، ويتعلم منهم ما لا يمكن تعلمه في البيت.”
أما المشرف التربوي الدكتور مزهر عبد جاسم، فأشار في جوابه إلى أن “بعض الحصص الدراسية بشكل عام غير كافية لاستيعاب مفردات الكتب الدراسية المقررة، وذلك بسبب ضيق الوقت ووجود الدوامين الثنائي والثلاثي. لذلك تلجأ الوزارة لتقديم الأهم من المواد، وهو ما يحرم التلاميذ من عدد من الدروس التنشيطية والتربوية.” مضيفاً: “أما قضية المناهج ومفرداتها العلمية، فأعتقد أنها يجب أن تكون قضية وطنية، إذ إنها بحاجة ماسة لإدخال العديد من الحقائق العلمية والمفردات الاجتماعية التي تعنى بالوطنية العراقية، فضلاً عن الممازجة بين طرق إيصالها التقليدية واستعمال التقنيات الحديثة.”
في حين أكد معاون المدير العام للشؤون الإدارية في تربية الرصافة الثانية حميد عبد الله حسن على ضرورة التركيز على جميع الحصص التي تقدم معارف علمية وثقافية وإنسانية للمتعلم. إضافة إلى الاهتمام بحصص اللغة الإنكليزية، لأن جميع المناهج العلمية والتربوية تسهم بشكل كبير في بناء شخصية المتعلم.”
من جانبه، يوضح كريم السيد، المتحدث باسم وزارة التربية، أن الأخيرة تركز على جميع الدروس، ولا تعطي أفضلية لدرس على آخر. مشيراً إلى أن “الوزارة أدخلت هذا العام درس التربية الأخلاقية، الذي يعنى بالسلوك والقيم الأساسية كالخير والعدالة.”
رياضة وفن
يتفق الجميع على أهمية درسي التربية الفنية والرياضة للطالب والتلميذ، إذ إن إهمالهما وعدم رد الاعتبار لهما، سيؤثر سلباً في تكوين المتعلمين. عن هذه الموضوعة يقول الدكتور عبد جاسم إن “حل قضية البنى التحتية (بناء المدارس) سيفسح المجال أمام التلاميذ في التعبير عن مواهبهم المكبوتة، ولاسيما الفنية والرياضية والثقافية، بعد أن تحولت كلها إلى حصة واحدة بسبب الدوام الثلاثي.” مبيّناً أن هذه الحصة الوحيدة غير كافية لإشباع رغبات التلاميذ.
أما الأستاذ حميد عبد الله فقال: “مازال الاهتمام بدرس التربية الفنية والنشيد والموسيقى والجوانب الثقافية دون المستوى المطلوب، بسبب مشاكل عدة تتعلق بتوفير البيئة الملائمة، وكذلك الوقت المخصص للدراسة.”، مشيراً إلى أن “الاهتمام الحكومي بإضافة أبنية مدرسية جديدة، وجهود وزارة التربية في تحسين البيئة المدرسية، يسيران بشكل جيد، لكن ثمارهما تحتاج الى المزيد من الوقت.”
في حين أكد كريم السيد أن “وزارة التربية شددت على أهمية دروس الفنية والرياضة والنشيد باعتبارها دروساً تخص الجانب الصحي والإبداعي لدى الطالب، وفيما لو حصل تجاوز عليها فهو بسبب البيئة المدرسية التي ازدحمت وتقلص فيها عدد الساعات.” مضيفاً: “لدى الوزارة سنوياً مسابقات للخطابة والمسرح والسينما والقراءة، ومعارض مصغرة للكتب داخل المدارس.” كما تطرق (السيد) إلى معاهد الفنون الجميلة المتخصصة بالجوانب الثقافية والفنية، وكوادرها التي تضم خيرة الفنانين والأكاديميين، إضافة إلى وجود أسماء لامعة في الجانبين الفني والثقافي ضمن ملاكات الوزارة.
مناهج رقمية
وفي سؤالنا عن موضوعة إمكانية مناهجنا الدراسية في مواكبة كم التطور الهائل في مجالي العوالم الرقمية وتقنيات الحاسوب؟ تحدث الدكتور كاظم عبد الزهرة قائلاً: “مازال العالم كله يتخبط في تحويل المناهج الى مناهج رقمية.” مبيّناً أنهم كمركز مختص بثقافة الطفل، قدموا إلى مكتب رئيس مجلس الوزراء، مطلع عام 2023، مشروعاً حولوا فيه كتب المرحلة الابتدائية إلى كتب رقمية ذكية، وقد تشكلت على إثره لجنة عليا برئاسة هيئة المستشارين لوضع الشروط والأسس اللازمة لتحويل المناهج العراقية إلى كتب رقمية، آملين أن يكون العراق رائداً في هذا المجال من خلال تبنيه أول تحول رقمي شامل.”
معاون المدير العام لتربية الرصافة الثانية حميد عبد الله، أشار في حديثه بهذا الشأن، إلى ضرورة ربط بعض المناهج ضمن السلسلة العلمية، لغرض مواكبة حركة التعليم والتعلم في العالم، وخصوصاً في المناهج العلمية. مؤكداً حاجتنا إلى عملية تحديث وتطوير مستمرة للمناهج، إضافة إلى توفير التقنيات والمختبرات. مضيفاً: “يبقى جذر المشكلة في تأخر تطور المؤسسة التربوية هو عدم وضع موازنات محترمة تجاري ما تقدمة دول العالم لهذا القطاع المهم.” موضحاً أن قطاع التربية غالباً ما يكون في ذيل الاهتمام التشريعي من ناحية التخصيص المالي، متمنياً أن يكون هذا القطاع ومؤسساته المهمة ضمن أولويات المؤسسة التشريعية والتنفيذية.
عن هذه الموضوعة، قال كريم السيد، المتحدث باسم وزارة التربية: “الوزارة دائماً ما تبحث من خلال المديرية العامة للمناهج عن المواكبة والتطوير، وتحاول أن تستقطب كل التقنيات والتقدم العلمي، كما أن رئاسة مجلس الوزراء شكلت لجنة عليا لمناقشة مادة الذكاء الصناعي.” مبيّناً أن مدارس الموهوبين والمتميزين فيها طاقات كبيرة من الطلبة الذين يمتلكون مهارات في الحاسوب والتكنولوجيا، وأن الوزارة “أدخلت أنظمة حديثة للأتمتة والحوسبة والجوانب الرقمية.”
نشر بتاريخ 18/9/2024 على مجلة الشبكة العراقية